تعتبر العلاقة بين الانسان و الوسط الطبيعي من أهم محددات البيئة، إذ أن الوسط الطبيعي خلق لمد العون للإنسان. وأن العلاقة بين الطبيعة والانسان في المراحل الاولى من تاريخه كانت علاقة انسجام وتناغم وارتباط وثيق منتعش بسعادة. فبعد أن كانت الطبيعة مصدر تأمل ومعرفة وانسجام واحترام ومحبة، واستفادة من خير وعطاء تغيرت النظرة إلى الطبيعة مع العلم الحديث خاصة مع ظهور الصناعة التي جعلت الإنسان يتدخل في الطبيعة باعتبارها موضوعا لنشاطه وسيطرته، حيث سعى إلى تغييرها وتطويعها تلبية لطموحاته. و ترجم هذا الاستغلال في صورة العلاقة المتبادلة و إن كانت الاستفادة للإنسان أكثر بكثير لذا فقد انشغل العديد من العلماء و المفكرين بقضية العلاقة بين الإنسان و البيئة، و تعددت النظريات التي تحدد أنواع
العلاقات المتبادلة.
1 نظرية الحتمية
يقر أصحاب هذه النظرية بأن البيئة هي التي تسيطر على الإنسان و أن هذا الأخير خاضع بكل ما فيه للبيئة، مستندين في ذلك على مقارنات بين مجتمعات مختلفة من حيث الخصائص الطبيعية و التفوق البشري، و مع ظهور نظرية التطور لشارل داروين، ظهر معها في المقابل العديد من مؤيدي نظرية الحتمية و التطور.
و قد تعرضت هذه النظرية لانتقادات كثيرة أهمها: أنه لا يمكننا أن نقر بحتمية أي عامل من العوامل الطبيعية في تأثيره على الإنسان إذ أن التطور التكنولوجي ساعد المجتمعات البشرية للتغلب على قساوة الظروف الطبيعية و فك العزلة و الانفتاح على حضارات و ثقافات جديدة غير من طريقة تدخل الإنسان في بيئته.
2 نظرية الإمكانية
يعتبر الجغرافي الفرنسي فيدال دولابلاش Paul Vidal de La Blache من مؤسسي المدرسة الإمكانية. فيقترح النظر إلى الوضع المكاني الجغرافي على أنه "احتمال" أو "إمكانية”، و برز هذا التيار كتصحيح للحتمية الجغرافية الصارمة، بدعوى أنه يجب أن ينضاف دور الإنسان إلى العوامل الطبيعية، لكون الإنسان هو صانع القرار الذي يجعل من العامل الجغرافي فعالا أو غير ذلك. و تظهر إمكانية الإنسان في المشاريع التي أقامها إذ يشكل دورا كبيرا في تعديل بيئته و تهيئتها وفقا لمتطلباته و احتياجاته.
بدوره هذا التيار الفكري تعرض لعدة انتقادات تلخصت في كونهم عظموا من دور الإنسان في البيئة الذي يصل به إلى حد السيادة و الدكتاتورية للتحكم في البيئة، إذ نتجت عن هذه السيادة مشكلات عديدة تتجلى في ”مشكلات عدم الاتزان البيئي“.
3 النظرية التوافقية
تسمى كذلك بنظرية الاحتمالية، فهي لا تؤمن بالحتمية المطلقة و لا بالامكانية المطلقة و إنما تؤمن بدور الانسان و البيئة و تأثير كل منهما على الآخر. و ظهر هذا التيار كحل وسط بين الحتمية و الإمكانية. و ارتكزت مبادئها الأساسية على تصنيف نوعية البيئة و نوعية التدخل البشري.
على مستوى البيئة تم التمييز بين :
· بيئة صعبة تحتاج لمجهود كبير للتكيف معها
· بيئة سهلة تستجيب لأقل مجهود بشري
· بيئات أخرى متفاوتة الصعوبة تقع بين البيئتين.
على مستوى المجتمعات و التدخل البشري
· إنسان إيجابي يتفاعل بشكل كبير مع البيئة لتحقيق رغباته
· إنسان سلبي محدود القدرات و المهارات
· يقع بين الفئتين مجموعات بشرية مختلفة في المهارات و القدرات
و بهذا تم تحديد علاقة الإنسان في البيئة بأربع استجابات مختلفة
استجابة سلبية
استجابة التأقلم
استجابة إيجابية
استجابة إبداعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق